تمتلك مدينة هامبورغ مجموعة من الأفكار الخلاقة والتجارب الناجحة في مجال المحافظة على البيئة، فالوعي البيئي فيها يمتلك تقاليد راسخة ومستقبلاً واعداً. واليوم تعتبر هذه المدينة الهانزية التي تقع على ضفاف نهر الإلبه، واحداً من المراكز الرائدة في مجال دراسة التغير المناخي والتحديات العالمية في عصرنا. وفي إطار مواجهتها للعديد من التحديات الحضرية، طورت هامبورغ عدداً من المناهج والسياسات لضمان حصول المدينة وسكانها على هواء نقي.
تسعى المدينة إلى إثبات أن النمو الاقتصادي وحماية البيئة وجهان لعملة واحدة، وهي تعمل بشكل فعال للمحافظة على هذا التوجه وتعزيزه بشكل مستمر، وقد حققت الكثير إلى حد الآن، حيث أن المشاريع المقامة في هامبورغ لا تهدف إلى تخفيف آثار التغيرات المناخية فحسب، وإنما يسعى بعضها إلى منع حدوث التغيرات من أصلها. كما تسعى المدينة إلى إيجاد الحلول للتحديات التي تواجه أي مدينة. ويبدو أن ما تتمتع به هامبورغ من مزايا جذب أنظار الكثيرين إليها ودفع العديد من الشركات الكبرى إلى الانتقال أو التفكير في الانتقال للعمل على أراضيها والقيام بالبحوث والمساهمة في تحقيق الإنماء.
وبالفعل، فقد تطورت هامبورغ خلال السنين الماضية لتصبح مركزاً مهماً لصناعة طاقة الرياح الألمانية والدولية. ولا تستفيد المدينة الهانزية من الشركات الكبيرة المعروفة فقط، بل أيضاً من التنمية اللاحقة لحاضرة هامبورغ مع التركيز على الطاقات المتجددة وبشكل خاص طاقة الرياح.
وعلى الرغم من أن مدينة هامبورغ تتميز بجاذبيتها السياحية وتمثل مكاناً ممتعاً للعيش، إلا أن ذلك ليس هو الدافع وراء اختيار الشركات لهذه المدينة لتكون مقراً لها، بل إن السبب يتمثل في موقعها وقوة الرياح على الساحل، بالإضافة طبعاً إلى جودة الحياة التي تتصف بها المدينة.
وكانت إحدى الدراسات التي أجريت في وقت سابق قد وضعت المدينة الهانزية على قائمة مدن المستقبل الألمانية، لاسيما وأن هناك مناطق مع قطاعات اقتصادية لديها فرص نمو جيدة في السنوات المقبلة. كما يتواجد في هامبورغ صانعو القرار ومعاهد البحوث الخاصة بهذا القطاع.
وإلى جانب طاقة الرياح، تتركز في هامبورغ اختصاصات قوية أخرى ترتبط بقطاعات الطاقة الضوئية والشمسية والهيدروجين وتكنولوجيا خلايا الوقود وكذلك الكفاءة في استخدام الطاقة مع التركيز بشكل خاص على الاستخدام الكفوء للطاقة في مشاريع البناء.
ونظراً لإنجازات مدينة هامبورغ في التوفيق بين التطور الاقتصادي لواحد من أهم قطاعات الأعمال في أوروبا وبين الحفاظ على البيئة، وتحقيق الاستدامة والكفاءة في استخدام الطاقة، ووضع الأهداف الطموحة في مجال حماية المناخ، فقد تم تسليط الضوء على تلك الإنجازات في جائزة حملت اسم “عاصمة أوروبا الخضراء” لعام 2011.
وتضع هامبورغ تضع أهدافاً طموحة لحماية المناخ، منها تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 80 بالمئة مع العام 2050.
ويعتبر ميناء هامبورغ، الواقع على نهر الإلبه، أكبر ميناء في ألمانيا كما يعد ثاني أكبر موانئ أوروبا من ناحية عدد الحاويات التي تتم مناولتها من خلاله. ومع الارتفاع المستمر في أعداد الحاويات التي تدخل وتخرج من الميناء، فإن عملية توسيعه تصبح مسألة دائمة البحث، علماً أن التوسع جغرافياً في المنطقة المحيطة بالميناء هي مسألة مستبعدة تماماً. وبدلاً من ذلك، يتم سد الحاجة إلى سعة أكبر في الميناء عن طريق الاستخدام الذكي لكل شبر من الأراضي المخصصة للميناء، وأيضاً من خلال استخدام الأحواض القابلة للتوسيع.
وتمثل “مدينة الميناء” (هافن سيتي) الواقعة على ضفاف نهر الإلبه عالماً مثالياً لحياة أجمل وعمل أفضل، فهي عبارة مدينة تمتلك كافة مقومات وسط المدينة التاريخي: مخابز ومطاعم، متاحف ومراكز تسوق، زوايا وديعة هادئة وأخرى حيوية صاخبة، إلى جانب الكثير من مرافق ووسائل الترفيه، ونذكر منها قاعة موسيقية متطورة مصممة على شكل أمواج، حدائق ومنتزهات ونافورة مائية عامة. أي باختصار: نموذج مصغر لمدينة كبيرة، تجمع عدداً من الوحدات السكنية والتجارية والترفيهية في منطقة خضراء موحدة تمثل نموذجاً مستداماً للمشاريع.
ولابد من الإشارة إلى أن هامبورغ استطاعت تحقيق أعلى معايير الحفاظ على البيئة في عمليات قطاع النقل العام، ذلك أن جميع المواطنين تقريباً لديهم محطات لوسائل النقل العام بالقرب من أماكن سكنهم.
ومع هذه التطورات التقنية والمشاريع المستقبلية التي يجري العمل عليها يفتخر مواطنو هامبورغ بجمال مدينتهم وسعيها إلى تنفيذ وقيادة مشاريع التنمية المستدامة. والجدير بالذكر هنا أن أهل المدينة يتميزون بالوعي البيئي العالي، وتعتبر هامبورغ من أكثر المدن الألمانية خضرة، حيث تحتل المساحات الخضراء ومناطق الاستجمام جزءاً كبيراً من مساحتها، كما تعتبر المياه من أهم المظاهر الساحرة فيها، فنهر الإلبه الذي يُعد من أكثر المجاري المائية المستخدمة في الشحن بالسفن على النطاق العالمي يضفي أيضاً جواً بحرياً فريداً من نوعه، لاسيما مع وجود حوالي 2500 جسر عبر شبكة القنوات المائية العريضة والصغيرة التي تتدفق بين نهر الإلبه والألستر، أي أكثر من البندقية ولندن وأمستردام مجتمعة. ويمثل ميناء هامبورغ بلا شك سمة الجاذبية الخاصة بالمدينة. لذا فليس من المستغرب أن تجذب هامبورغ العديد من الشركات الكبرى والسياح من مختلف أنحاء العالم.